العائلة

العائلة


في إحدى المرات التي كان يسوع يكلِّم فيها الجموع، إذا بأمه وإخوته -أولاد خالته- قد وقفوا خارجًا طالبين أن يكلموه.. فقال له واحد: هوذا أمك وإخوتك واقفون خارجًا طالبين أن يكلموك. فأجاب يسوع بعد أن مدّ يده نحو تلاميذه مُشيرًا إليهم "ها أمي وإخوتي لأن من يصنع مشيئة أبي الذي في السموات هو أخي وأختي وأمي" (مت49:12،50).

والحقيقة أن السيد المسيح في هذا الموقف قد رفع كل المؤمنين به والذين يصنعون مشيئة الآب السماوي إلى أعضاء في العائلة السماوية المقدسة؛ وهذه العائلة هي الكنيسة. فتعالوا نتعرف على طبيعة هذه العائلة..
أولاً: أعضاء العائلة:
1- الآب السماوي: هو الله أبونا ضابط الكل، الذي ندعوه في صلواتنا "أبانا الذي في السموات".. والآب محبته شديدة جدًا لكل أفراد العائلة، وهو ملجأنا في الضيقات والشدائد مثلما يلجأ أي طفل إلى أبيه الجسدي عندما يكون مهمومًا أو مضطربًا فيشعر أن أباه هو مصدر الحماية والأمان وقد عبر المرتل عن هذا المعنى حين قال "الله لنا ملجأ وقوة. عونًا في الضيقات وُجِدَ شديدًا"(مز1:46).. أيضًا هذا الآب مسئول عن رعايتنا وحمايتنا من كل الأخطار.. أيضًا هو الذي نفتخر به وبأننا ننتمي إليه مثلما قال داود "بالرب تفتخر نفسي.. عظموا الرب معي ولنُعَلِّ اسمه معًا" (مز2:34،3).
2- الأم الحنون: هي السيدة العذراء التي جعلها رب المجد يسوع أمًا لنا وللكنيسة كلها لَمّا قال للقديس يوحنا الحبيب -الذي يمثِّل الكنيسة- على الصليب "هوذا أمك" (يو27:19). والسيدة العذراء هي مصدر الحنان والفرح في الكنيسة؛ حتى أن المزمور يقول عنها "أعمال مجيدة قد قيلت لأجلك يا مدينة الله.. لأن سُكني الفرحين جميعهم فيك" (مز87) [حسب الترجمة القبطية] تمامًا مثل الأم الجسدية التي تُفَرِّح أولادها وتغمرهم بحنانها ومحبتها حين يلتجأون إليها.. وكلنا نذكر الأنبا أبرام بن زرعة الذي فرّحته أمه العذراء وفرّحت الكنيسة حين أرشدته للقديس سمعان الخراز لينقل جبل المقطم.
ولعل كل منا -نحن أفراد العائلة- له خبرة شخصية مع السيدة العذراء كمصدر للفرح وكأم حنون.
3- الأخ الأكبر: هو السيد المسيح -له المجد- الذي يُعتبر بكرًا بين إخوة كثيرين كما جاء في الكتاب المقدس"أخبر باسمك إخوتي وفي وسط الجماعة (الكنيسة) أسبحك" (مز22:22) والسيد المسيح أخ أكبر من عدة أوجه:
أ- يقول معلمنا بطرس الرسول "فإن المسيح أيضًا تألم لأجلنا تاركًا لنا مثالاً لكي تتبعوا خطواته"(1بط21:2) أي أنه أصبح قدوة لنا.. فنسأل أنفسنا في كل موقف وكل تصرف ماذا كان يفعل المسيح -أخي الأكبر- في هذا الموقف؟ ونتبع خطواته.. فمثلاً قيل عن السيد المسيح إنه"إذ شُتِمَ لم يكن يشتم عِوَضًا" (1بط23:2) فمطلوب منا أن نحاول أن نحتمل الإهانة..
ب- شابهنا السيد المسيح في كل شيء -ما خلا الخطية وحدها- فأعطى لنا بهذا إمكانية النُصرة على الخطية.
ج- "في ما هو قد تألم مجرّبًا يقدر أن يُعين المجرّبين" (عب18:2) بمعنى لو شعرت يومًا بالظلم فالمسيح أخي الأكبر يعينني لأنه قد ذاق هذا الشعور مثلي فهو قيل عنه "ظُلِمَ أما هو فتذلل ولم يفتح فاه" (إش7:53) وأيضًا هو قد تعرض للخيانة وتَرْك الآخرين له وحده، مع آلام جسدية وأخرى نفسية. فما أجمل أن أتذكر آلام المسيح أثناء آلامي.
4- أعضاء آخرون في العائلة:
وهم القديسون مارمرقس ومار جرجس ومار مينا والبابا كيرلس والأنبا ابرآم وغيرهم فهؤلاء هم باقي أفراد عائلتي السماوية...
ثالثًا: عدو العائلة:
هذا العدو هو الشيطان وهو عدو أفراد العائلة وسيظل يحاول جاهدًا إهلاك بعض أفرادها، ولكن المُفرح أن ربّ العائلة وأخانا الأكبر لا يتركان هذا العدو يعبث بأفراد العائلة فهما اللذان يدافعان عنا كما قال موسى لشعب إسرائيل "الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون" (خر14:14)... تمامًا مثل أي ولد صغير يتعرّض لمضايقة في الشارع من ولد أقوى منه فيلجأ مباشرة لأبيه أو أخيه الأكبر القوي وكل ما يفعله أنه يمسك بيده ويمضي في طريقه لا يخشى مضايقة أحد، واثقًا من قدرة أبيه على حمايته والدفاع عنه، وواثقًا أن أباه أقوى كثيرًا من أي عدو.
رابعًا: وحدانية العائلة:
هذه العائلة لها روح واحدة فمثلاً العائلة كلها تجتمع لأجل طعام واحد، هذا الطعام هو جسد المسيح ودمه..، أيضًا في أيام محَدّدة تشترك هذه العائلة في الصوم، وأيضًا تشترك هذه العائلة في أعياد أفرادها (القديسين)، ومن أجمل الرموز التي ترمز للكنيسة -التي هي العائلة السماوية- في الكتاب المقدس: التينة. فالتينة عبارة عن حبات صغيرة جدًا عددها كبير جدًا، هذه الحبات هي المؤمنون أفراد العائلة، ويُوّحِد التينة من الخارج القشرة التي تربط كل هؤلاء المؤمنين وهذه القشرة هي الروح القدس الذي يوحد كل أفراد العائلة السماوية.
الله يجعلنا جميعًا نتمتع بعضويتنا في هذه العائلة المقدسة.


القس أبرام إميل